2024-03-29


المعلم: من تسميها واشنطن بـ المعارضة المعتدلة ترتكب الجرائم بحق الشعب السوري. وأفعالها لا تقل وحشية عما يقوم به داعش و القاعدة. فيديو

السيد رئيس الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة..

أهنئكم وبلدكم الصديق فيجي على انتخابكم رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، متمنّياً لكم النجاح والتوفيق في فترة رئاستكم التي أكدتم أنَّها ستكون واحدة "للبيت كلّه"، وهو ما نأمله لتعزيز الدور المحايد لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ولإظهار الحقيقة التي يحاول البعض إخفاءها.

السيد الرئيس.. السيدات والسادة..

نلتقي مجدداً اليوم في ظروف صعبة وأوضاع بالغة الخطورة يمرّ بها عالمنا، فالإرهاب الذي حذّرنا منه، مراراً وتكراراً ومن على هذا المنبر، ما يزال يتوسّع ويزداد انتشاراً ويفتك بحياة المزيد من الأبرياء دون وازع أو رادع، ينشر القتل والدمار ويضرب دون هوادة في كل مكان.. هذا الإرهاب الأسود البغيض لم يكتف بسفك دماء السوريين، بل أعملَ أنيابه في مواطني العديد من الدول، وبينها تلك الدول التي دعمته ورعته ومازالت؛ فهؤلاء الأبرياء إنما يدفعون ثمن أخطاء حكوماتهم التي انتهجت سياسات قصيرة النظر وبعيدة كل البعد عن مصالح شعوبها.

وعلى مدى خمس سنواتٍ ونيّف مازال الشعب السوري، بمختلف مكوناته وانتماءاته، هو أكثر من يدفع ثمن جرائم الإرهاب من دم أبنائه ومن أمنه واستقراره ولقمة عيشه؛ فذلك الارهاب لم يوفّر حتى المدارس والجامعات والمشافي ودور العبادة والبنى التحتية...

إن الجميع بات يعلم يقيناً بان الإرهاب في بلادي لم يكن لينتشر ويتوسّع لولا الدعم الخارجي من دول معروفة للقاصي والداني، فلم يعد خافياً أن قطر والسعودية، اللتيّن تسوّقان فكرهما الوهابي المتطرف القائم على التكفير وفتاوى القتل والذي لا يمت للإسلام بصلة، قد قامتا بهذا الدور، وتفاخرتا بدعم الارهاب بكل الوسائل، وارسلتا إلى سورية آلاف المرتزقة المسلحين بأحدث الأسلحة، فيما فتحت تركيا حدودها أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين قدموا من مختلف أصقاع الأرض، وقدّمت لهم الدعم اللوجستي ومعسكرات التدريب بإشراف الاستخبارات التركية والغربية، وفي بعض الحالات قدّمت لهم دعماً عسكرياً مباشراً كما حدث في ادلب وحلب وريف اللاذقية...

ودعوني أشير هنا، على سبيل المثال فقط، إلى دراسة أعدها مركز "فيريل" الألماني للدراسات قبل نحو سبعة أشهر، وهي تفيد بأن ما يزيد عن 360 ألف إرهابي أجنبي من 83 بلداً دخلوا إلى سورية منذ نيسان عام 2011، وأن نحو 95 ألفاً منهم قتلوا على يد الجيش السوري حتى نهاية عام 2015، فيما غادر 120 ألفاً منهم سورية إلى البلدان التي أتوا منها أو إلى دول أخرى.  

إننا في سوريا نحارب الاٍرهاب نيابة عن العالم؛ فكلما قضى الجيش السوري على ارهابي أجنبي فانه يحمي بذلك الكثير من الأبرياء ممن يمكن أن يكونوا ضحايا محتملين لهذا الإرهابي عندما يرجع الى بلده ليمارس إرهابه هناك... إن كل من يسعى لتشويه هذه الحقيقة يتحمل أيضاً مسؤولية انتشار الارهاب واستمرار سقوط هؤلاء الضحايا... فجيشنا المقدام يستحق الدعم والثناء لا التآمر والافتراء.

السيد الرئيس.. السيدات والسادة

إن كل ما تتعرض له بلادي من ارهاب يجري أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، الذي انقسم بين مؤيد للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وبين صامت عن الحق أو داعم للإرهاب بالمال والسلاح، تحت ذرائع واهية ومسميّات بعيدة عن العقل والمنطق.. يطلقون عليهم وصف "المعارضة المسلحة المعتدلة" بالرغم من وجود أدلة دامغة على ارتكابهم لجرائم ومجازر لا تقلّ وحشية عما تقوم به داعش والقاعدة ضد الشعب السوري؛ فهؤلاء الارهابيون يعتبرون، بالنسبة للبعض، "معارضة شرعية" في سورية، بينما في جميع دول العالم يُعتبر كل من يحمل السلاح ضد الدولة والمواطنين إرهابياً، أو في الحد الأدنى خارجاً عن القانون.

وبالرغم من كل ما ذكرته آنفاً فإن جميع السوريين، شعباً وجيشاً وحكومة، ماضون في مواجهة الإرهاب، ومصمّمون، أكثر من أي وقت مضى، على دحره واجتثاثه من كل شبر من وطنهم، وعلى إعادة بناء بلدهم أفضل مما كان، لأنهم يدركون تماماً أنه لا بقاء للوطن إذا ما انتصر الإرهاب وداعموه.

وما يزيدنا ثقة بالنصر على الإرهاب هو الإنجازات التي يحقّقها الجيش العربي السوري في حربه المستمرّة على الإرهاب، بدعم من الأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري، وفي مقدّمتهم روسيا وإيران والمقاومة الوطنية اللبنانية؛ فهذا الدعم ساهم بشكل فاعل في تعزيز مقوّمات صمود السوريين وفي التخفيف من معاناتهم. وكلنا أمل أن تستفيق باقي الدول وتتنبّه – قبل فوات الأوان- للخطر الذي يُحدق بنا جميعاً..

إننا إذ نرحّب، دائماً، بأي جهد دولي لمحاربة الإرهاب في سوريا، فإننا نؤكد مجدداً على ضرورة التنسيق مع حكومة الجمهورية العربية السورية والجيش العربي السوري الذي يواجه الإرهاب على الأرض منذ أكثر من خمس سنوات.. فغياب هذا التنسيق يُعتبر خرقاً للسيادة وتدخّلاً سافراً وانتهاكاً لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. كما أن أي جهد يتمّ بدون هذا التنسيق لم ولن يحقّق أي نتائج ملموسة على الأرض، لا بل يزيد الأمر سوءاً. وفي هذا الصدد وإذ تدين الحكومة السورية بأقسى العبارات العدوان الذي شنته طائرات أمريكية على موقع للجيش السوري في محيط مطار دير الزور بتاريخ السابع عشر من أيلول الجاري، مما مكّن "داعش" من السيطرة على الموقع، فإنها تُحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان لأن وقائع ما جرى تثبت بأن العدوان لم يرتكب بالخطأ بل كان متعمداً، وإن ادعت الولايات المتحدة غير ذلك؛ فهذا العدوان الجبان إنما هو دليل واضح على تواطئ الولايات المتحدة وحلفائها مع "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية المسلحة.

وفي هذا المجال نجدد، أيضاً، إدانتنا لتوغّل قوات تركية داخل الأراضي السورية بذريعة مكافحة الإرهاب، ونعتبره عدواناً سافراً ونطالب بإنهائه فوراً.. فمحاربة الإرهاب لا تكون عبر طرد تنظيم إرهابي وإحلال تنظيمات إرهابية أخرى مكانه.. والسؤال البديهي هنا: كيف يمكن لدولة كانت وما تزال المعبر الرئيسي لدخول الإرهابيين والسلاح إلى سورية أن تدّعي محاربة الإرهاب؟!. وكيف يمكن أن يكون هناك تعاون دولي حقيقي فاعل لمواجهة الارهاب وقرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الارهاب لا تزال حبراً على ورق.

السيد الرئيس..

لقد أعلنت حكومة الجمهورية العربية السورية منذ بداية الأزمة عام 2011، أن حلّ الأزمة يكون عبر مسارين متوازيين هما مسار محاربة الإرهاب، والمسار السياسي الذي يتمّ عبر حوار سوري- سوري يقّرر من خلاله السوريون مستقبل بلدهم دون تدخّل خارجي. أما الحلول المفروضة من الخارج فهي مرفوضة تماماً من قبل الشعب السوري. وهنا لا بدّ من التأكيد أيضاً على أن أي حل سياسي لا يمكن أن يُكتب له النجاح إلا بتوفير الأرضية الضرورية و الظروف اللازمة لتطبيقه عبر تكثيف جهود محاربة الإرهاب، والمضيّ في عملية المصالحات الوطنية التي نجحت في العديد من المناطق..

وبالرغم من كل العراقيل التي تضعها بعض الدول الإقليمية والغربية التي تهيمن على قرار من يسمّون أنفسهم "معارضة سورية"، فإننا ما زلنا منفتحين على أي مسار سياسي يمكن أن يساعد في وقف نزيف الدماء وإنهاء معاناة السوريين التي طال أمدها.. كما نجدّد التزامنا بالمضيّ في مسار جنيف برعاية الأمم المتحدة.

ومن المفيد هنا أن نذكّر بموقفنا البنّاء من المسار السياسي، والذي يجب أن يتم في إطار احترام سيادة واستقلال سورية وسلامة أراضيها ووحدتها أرضاً وشعباً، ويفترض أن يبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ ممثّلين عن الحكومة والمعارضة بمختلف أطيافها، بحيث تقوم هذه الحكومة بتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد، يحظى بموافقة السوريين عبر استفتاء شعبي، يلي ذلك انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة وفق الدستور الجديد.

السيدات والسادة..

إنه لمن المؤسف حقاً أن يستغلّ البعض أوجاع السوريين ومعاناتهم الإنسانية، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية، وأن يجري تسييس تلك المعاناة وتوظيفها بهدف تحقيق مآرب بعيدة كل البعد عن الأهداف الإنسانية ومصالح الشعب السوري.. ففي حين تتباكى بعض الدول على أوضاع السوريين في بعض المناطق وتتّهم الحكومة السورية بانتهاج سياسة الحصار والتجويع، تستمرّ ذات الدول بدعم وتسليح الإرهابيين الذين يحاصرون المدنيين في تلك المناطق من الداخل، ويتّخذونهم دروعاً بشرية، ويستولون على المساعدات الإنسانية التي تُرسل إليهم أو يمنعون دخولها أصلاً.

أيها السادة.. لا أحد أحرصُ من الحكومة السورية على تخفيف معاناة السوريين وتوفير مقوّمات العيش الكريم لهم أينما كانوا ودون استثناء، وهذا واجب لا منّة فيه.. وستواصل الحكومة بذل كل جهد ممكن من أجل ذلك، بما في ذلك عبر التعاون مع الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من كل الصعوبات التي تواجهها بسبب التدمير الممنهج الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية المدعومة خارجياً، هذا إضافة إلى الاجراءات الاقتصادية والمالية القسرية أحادية الجانب التي تفرضها على الشعب السوري نفس الجهات التي تدّعي زوراً الحرص على مصلحته، والتي أثّرت سلباً على العديد من القطاعات الحيوية وفي مقدمتها قطاع الصحّة والتعليم والكهرباء..

 

السيد الرئيس.. السيدات والسادة..

إن سورية التي تواجه الإرهابيين المرتزقة على أرضها اليوم، واجهت ولا تزال إرهاباً من نوع آخر، وهو إرهاب إسرائيل التي مازالت تحتل جزءاً غالياً من أرضنا في الجولان السوري منذ الرابع من حزيران لعام 1967، والتي لا زال شعبنا العربي السوري هناك يعاني من ممارساتها القمعية والعدوانية، لا بل أن تلك الممارسات تجاوزت الجولان المحتل لتنال من أمن وحياة السوريين في المناطق الجنوبية من سورية، من خلال تدخّل إسرائيل العسكري المباشر لدعم التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، وتأمين مختلف أشكال الدعم لها. إن سورية تطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفعلي لوضع حدّ لكل تلك الممارسات وإلزام اسرائيل بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعلى رأسها القرار 497 الخاص بالجولان السوري المحتل، إضافة إلى تمكين الشعب الفلسطيني من التمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.

 إن سورية تؤكد مجدداً أن سياسات إسرائيل العدوانية لا تهدّد سورية فقط، بل المنطقة برمّتها من خلال ترسانتها النووية. وقد أكدنا، مراراً، على ضرورة إلزام إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وغيرها من المعاهدات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وإخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية..

وإذ تشدد سورية على حق الدول في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلميّة، فإنها دائماً ما دعت لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وقد أنجزت بكل كفاءة وجدية ومسؤولية إخلاء سورية من الأسلحة الكيماوية من خلال تعاونها مع البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة و في هذا الصدد تكرر سورية استعدادها لاستمرار التعاون مع آلية التحقيق المشتركة، كما ستواصل التحقيق الذي تقوم به في هذا المجال.

السيد الرئيس..

      في الوقت الذي نهنّئ فيه كوبا وإيران على الاتفاق على رفع الحصار عنهما، آملين تنفيذ ذلك، نجدّد الدعوة إلى رفع الإجراءات الاقتصادية غير القانونية المفروضة على الشعب السوري وعلى كل الشعوب المستقلة الأخرى في العالم، وفي مقدمتها شعوب كوريا الديمقراطية، وفنزويلا، وبيلاروسيا.

ختاماً.. نتمنى لدولكم وشعوبكم دوام الأمن والأمان والازدهار، وأن تستطيع منظمتنا استعادة ثقة الشعوب بها، من خلال تطبيق أحكام ميثاقها الذي يوجب احترام سيادة واستقلال الدول الأعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، علّنا نرسي موازين حقيقية وعادلة للعلاقات بين الدول، بعد أن اهتزّت بسبب أطماع وغرور وغطرسة البعض.